مدحت بركات يكتب: ”عيش شهيد تموت شهيد”
قبل مسلسل الاختيار، كان كل ما يُعرف عن بطولات رجال الجيش في سيناء مجرد بيانات عسكرية، قبل أن نعيش ملاحم البطولات وكأننا في القلب منها، ويتضح حجم ما قدمه المنسي وعشرات من رفاقه من ملاحم وبطولات وتضحيات مغموسة في حب الوطن قبل ترابه ولم يرَ العالم مثيلا لها، ليطمئن المصريون أن درعهم وسيفهم بخير.
وحوش البرث
استشهد البطل العقيد أحمد صابر محمد على المنسي قائد الكتيبة 103 صاعقة ومعه عدد من أفراد الكتيبة في كمين "مربع البرث" بمدينة رفح في 7 يوليو عام 2017، مقدمين أرواحهم ثمنا للدفاع عن الوطن ولتروى دماؤهم الزكية أرض الفيروز. ما جرى في هذا اليوم أكبر من مجرد هجوم إرهابي جبان لجماعة تكفيرية متطرفة، بل كانت موقعة حربية وعملية عسكرية مكتملة الأركان تخطيطا وتمويلا وتنفيذا، أشرفت عليها جهات خارجية مأجورة.
ملحمة البرث نجح فيها جنودنا الأبطال في إفشال وإحباط مخطط المعتدين ولم يسمحوا لهم بتحقيق أي من أهدافهم الخبيثة التي كانت تتمثل في استغلالها اعلاميا على مستوى واسع وتجسيد لحظة رفع علم التكفيريين فوق مبنى الكمين والتمثيل بجثث الأبطال، لكن ما وجدوه كان صادما، فالبرث لم يكن مجرد كمين، بل كان عرينا لوحوش من نوع آخر وأساطير مدرسة الصاعقة، منعتهم حتى آخر قطرة من أن يكون لهم موطئ قدم في هذه المنطقة الغالية.
بلاشك ما فعله المنسي ورجاله من صمود وثبات وقتال عنيف لم يكن إلا سطراً في ملحمة بطولية في هذا اليوم، حيث قاتلوا وردوا على العدوان بكل قوة وشجاعة وثبات ورفضوا أن يقتحم الكمين خسيس أو جبان.
بحثت وقرأت كثيرا عن موقعة كمين البرث، فلفت نظري في تفاصيل المعركة البطولية، قصة الشهيد عسكري مجند علي علي السيد، شاب بسيط من الجمالية، كانت مهنته عمل تشكيلات الجبس وبيعها، لا يتجاوز عمره ٢٠ عاما، لكن بسببه الإرهابيون لم يستطيعوا الوصول للدور الثاني في المبنى، في الوقت الذي كان ٧٠% من قوة الكمين قد استشهدت. تخيلوا معي ماذا فعل العسكري الأسطوري علي السيد، كان إذا سقط مصاب من زملائه أو يستشهد كان يحمله ويدخله غرفة وهو كان واقفا يحرسها حتى لا يتمكن أي من الإرهابيين التكفيريين من الوصول إليها.. من حديث الملازم أول عبدالعزيز محمد محسن، ضابط الحرب الالكترونية في كمين البرث، (أحد الناجين من المعركة، وكان من ضمن المصابين في الغرفة التي كان يحميها المجند علي)، يقول "إن علي علي فضل واقف على مطلع السلم في الدور التاني وأي حد يقرب كان بيقتله .. لدرجة أنه اتصاب وقع على بطنه، وهو واقع على بطنه ماسك السلاح وبيزحف ومكمل ضرب على اللي بيحاول يطلع، وهو خلاص بيموت كان طالع واحد من الارهابيين، راح قاتله برضو بعدها هو استشهد".
تخيلوا، العسكري ابن الجمالية اللي كان عاملا بسيطا من كام يوم، أصاب الإرهابيين بالرعب، وعطلهم لحد ما وصل الدعم، ولولا بطولته لكان التكفيريون قد وصلوا للدور الثاني وقتلوا كل المصابين ووصلوا للقائد المنسي ومثلوا بجثته.
لكم أن تعلموا أن مجند علي علي استشهد بـ٣٠ طلقة، ورفض الموت قبل سماع أصوات وصول الدعم ليموت بعدها بجوار جثامين ومصابي زملائه بعد أن نجح في مهمة حراستهم لآخر نفس.
يجب التأكيد بعد الحالة التي صنعها مسلسل الاختيار في بيوت ونفوس المصريين، على أنه يقع على عاتق مسؤولي ملف الإعلام وشركات الإنتاج تقديم باقي النماذج لأبطالنا في القوات المسلحة والشرطة في سيناء، وكيف صدق كل منهم ما عاهد الله عليه، ليقضي كل منهم نحبه في ساحات الشرف، ومن ناحيتنا نعاهدكم يا شهداء مصر الأحياء على أن تظل سيناء حرة طاهرة من كل خبيث لا يطأها عميل ولا يمشي عليها خائن، نعاهدكم على تنميتها وتطويرها والنهوض بوطننا.
وفي النهاية، وجب علينا تذكر آخر كلمات الشهيد المنسي "عيش شهيد تموت شهيد.. واحنا على العهد يا رجالة وزي ما اتفقنا".. ونحن سنبقى على العهد يا منسي، سنظل حراسا لوطننا من بعدك، نفديه بالروح والحياة نفسها، وألا نتركه لعميل أو خائن أو مستغل، سنعيش شهداء ندافع عن وطننا وشعبنا ولنموت شهداء كما أوصيت.