عمرو خالد: حلاوة وأسرار اللقاء الأول مع رسول الله

استعرض الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، مظاهر استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم وفرحتهم به عند وصوله إلى المدينة، ومعه أبوبكر الصديق.
وقال خالد في الحلقة الثالثة عشر من برنامجه الرمضاني "نبي الإحسان"، إن أهل المدينة كانوا يخرجون صباح كل يوم إلى أعالي المدينة "الحرة الشمالية"، وهي منطقة صعبة وعرة. ينتظرون هناك حتى الظهر، وحين تشتد حرارة الشمس يعودون إلى بيوتهم، وظلوا يداومون على ذلك لمدة 3 أيام متتالية.
وأضاف: "في اليوم الرابع خرجوا وعادوا إلى بيوتهم وقت الظهر، ووصل النبي صلى الله عليه وسلم وقت العصر رحمة بهم من الحر، وحين رأه رجل يهودي من مكان مرتفع لم يملك أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدكم (حظكم) الذي تنتظرون جاء المدينة. قالها لما رأى شوق المسلمين للنبي، ومن تأثره بمشاعر لهفة المسلمين لمقابلته".
وأشار إلى أن المدينة خرجت كلها.. رجال.. نساء.. أطفال.. شباب.. ليكونوا في شرف استقباله، وكان دخوله يوم الإتنين 12 ربيع الأول.
يقول أنس بن مالك رضى الله عنه: "دخل النبي المدينة يوم الإثنين فأضاء منها كل شيء، ومات النبي بالمدينة يوم الإثنين فأظلم منها كل شيء".
وحين رآه حسان بن ثابت قال في مدحه:
لما رأيت أنواره سطعت.. وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفًا على بصري من حسن طلعته.. فلست أنظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمر.. كحليةٍ نسجت من الأنجم الزهر
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان (مضيئة مقمرة) وعليه حُلَّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر".
وقال خالد إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد منذ البداية أن يقيم لدى أخوال جده، صلة للرحم، وحتى لا يفرض نفسه على أحد، وعندما نزل، قال ثلاثًا: "رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ". وهو الدعاء الذي يستحب قوله مع كل خطوة جديدة، أو مشروع جديد تقدم عليه في حياتك، فالدعاء باب التوفيق.
وسرد خالد، أهم ملمح في دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو النفسية الرقيقة الرحيمة، فقد كانت نفسيته سهلة جميلة لينة بلا تعقيد أو تكلف أو تقل على حد، وكان هو وأبو بكر يرتديان ملابس بيضاء، وعندما أحضر له أحد الأنصار ثوبًا من ثياب المدينة ارتداه على الفور، وذلك حتى لا يكون زيه مختلفًا عن ردائهم، وحتى لا يحرج الرجل الذي أحضر الثوب له.
وأشار إلى أنه عندما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من دار أبي أيوب الأنصاري مقرًا لإقامته، خرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن: "يعلم الله أن قلبي يحبكن".
وعلق خالد: كان حب البنات للنبي ميلاد جديد لجيل جديد للمرأة المسلمة بالمدينة، وهو نموذج يجب أن يقتدي به كل أب في تعلم كيف يحب ابنته، ويجعلها تحبه من وحي سنة النبي.
وفسر خالد سر الحب الذي استقبل به الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم في أول لقاء معه، لأن الهدف الكبير هو بناء إنسان، والحب هو أول طريق البناء، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أكثر قلب أحب البشرية، وقد بلغ من حبه أنه في الآخرة ينشغل كل الناس بأنفسهم، فلا أب ولا أم ولا ولد ولا أخ، ولا زوج أو زوجة، الكل مشغول بنفسه، "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ".
ومع كل ذلك الترحاب، إلا أن خالد قال إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى الأرض التي بركت ناقته عندها وأقام عليها مسجدًا، وكانت يومئذ ملك ولدين يتيمين لكنه أصر على شرائها ودفع ثمنها، على عكس رغبة وليهما في إهدائها له، وذلك حتى لا يأتي أحد بعد وفاة النبي فيقول إن الأرض أخذت بسيف الحياء.
مقابلة النبي يوم القيامة وحبه لنا
مظهر آخر من حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، عند لقائه بها يوم القيامة، يتحدث عنه خالد، قائلاً: "يعرف كل فرد من أفراد من أمته باسمه، ويفاخر بهم الأمم الأخرى"، مشيرًا إلى قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، وهي من آخر ما نزل من القرآن، فهي لا تكلم الصحابة لأنها نزلت في آخر عمر النبي ولكنها تتكلم عنا نحن.
وأبرز خالد مظاهر حب النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين من بعده، إذ سـأل يومًا أصحابه: أي الخلق أعجب إليكم إيمانًا؟ قالوا: الملائكة. قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ قالوا: فالنبيون. قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن. قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أعجب الخلق إلي إيمانًا لقوم يكونون من بعدي يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيها.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، "إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله".
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا.
وأوصى خالد كل من يحظى بشرف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، أن سلم عليه سلام نبيك، والسلام الذي تسلمه على أبيك، كأن تقول: "وحشتني يا رسول الله، أنا علي العهد يا رسول الله، أنا كل ما فيه من خير أنت سببه يا رسول الله، أنا أحبك يا رسول الله ".
وروى خالد أنه كان يزور عائلة في المدينة، ودخل طفل دون أن يسلم، فسمع الأم تناديه، وتقول له: يا حبيبي جدك يقول: أفشوا السلام بينكم، لأنه فعلاً جدهم، ذلك أنه قال للأنصار حين سأله أبو الهيثم بن نبهان: يا رسول الله إن بيننا وبين اليهود في المدينة حبال، وإني أعلم أن اليهود لن يعجبها ما جئت به، وإننا سنقطع هذه الحبال، فهل لك يا رسول الله إذا انتصرت أن تعود إلى بلدك، فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: بل الدم الدم والهدم الهدم الهدم يعنى القبر القبر، أنا منكم وأنتم منى أسالم من سلمتم وأحارب من حاربتم.
وأوضح خالد أنه لا يوجد في تاريخ الأنبياء علاقة مستمرة بين نبي من الأنبياء وبين قومه إلا المسلمين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يصلي ويسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام"، وهناك حديث آخر يقول: "ما من رجل يصلي ويسلم علي إلا قيد الله لي ملكًا فيبلغني سلامه فأرد عليه السلام".
وبين أنه لكل نبي دعوة مستجابة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر دعوته لأمته إلى يوم القيامة.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له"، أي: كل نبي له دعوة واحدة مستجابة وهي الدعوة العامة التي تخص الأمة بأسرها، فكل نبي استنفد دعوته في أمته إلا نبينا عليه الصلاة والسلام قال: "وإني أريد إن شاء الله أن أدخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".