مدحت بركات يكتب: حتى الصعيد.. يا أمين
ما الذى جعل الصعيد يصل لهذه الحالة فهم يبحثون عن أى شىء يدر عليهم مالا.. فلا مشروعات ولا عمل ولا زراعة.. منهم لله فعلا هؤلاء الوزراء التائهون فأين دماؤهم وأين شعورهم تجاه هؤلاء الفقراء المطحونين.
- سيـدة عجـوز لم تقـرأ جريدة واحـدة فى حيـاتها من قبل وتـعـيش مع ابـنـتـهـا فى حجـرة صـغـيـرة فى سـوهاج وثروتـها كـلها عـبارة عن ٣٥ جـنيـها وهى تحويـشة الـعمر وتحتـفظ بها فى منزلـها، ولم تضعهـا فى بنك.
لقد جمعت هذه الـثـروة خلال الـسـنوات المـاضـيـة وسمـعت جـارا لـها يتـكلم عن جـريدة جـديـدة اسمـها «الـطريق» تـقيم مـسابـقة رياضـية وتطرح جوائز مالية وأنه اشترك فى المسابقة هو وأولاده وزوجته لـعله يـكـسب ً مبـلغـا ً محـتـرما يـستـطيع أن يـقـيم به ً مــشـروعـا فى بـلـدته.. فـهــذا مـا سـمـعـته الـسـيـدة العـجوز الـفـقيـرة ولـكن الغـريب مـا فعـلتـه فقـد أرسلت كل ثروتـها «٣٥ جـنيـهـا» لجارهـا وترجـته أن يشـترى لـها ٣٥ عـددا لـعل وعـسى أن تـكـسب أى مـبـلغ، فـأقل جـائـزة فى المسـابـقة هى ٥٠٠ جـنـيه.. وإذا كان ٣٥ جـنـيهـا بـالنـسـبة لهـا ثروة فما بالك بـ«٥٠٠ جنيه» والسؤال هنا: ماذا لو لم تكـسب هذه الـفقـيرة الـعجـوز؟ وماذا لـو ضاعت تحـويشة العمر؟
- اتصـل بى عمـدة من سـوهاج.. فـكان ً سـعـيدا بـأحد عنـاوين جريدتنا وهو «الكـدابين أهم» إشارة إلى مجموعة مـن الـوزراء.. وقـال يـا بــيه والـله ً فـعلا كــدابـين ..كـدابـين.. كدابـين منـهم لله خـربوا بيـوتنـا. كان الـعمـدة ً منـفعلا ًجدا وصوته عـال وواضح أنه كـبيـر السن، وسـألته بـاستـعباط وانـتا مـالك ومـال الـوزراء هم ضروك فى إيـه؟ ثار الـعـمدة وهـاج وصاح وقـال «الزراعة يـا بيـه هى مصـدر رزقنا ولا نعرف غيرها ومش لاقيين الأسمدة لا الكيماوى حتى لـو بــالـغـالى، والـزرع بـيــمـوت وكل المـزارعـين وأصـحـاب الأراضى مش هــيلاقـــوا يــاكــلــوا والــنــبـى يــا بــيه خــدنى لحسـنى مبارك أقوله وزراءك كدابين والدنيا وحشة ومش لاقين شغل ولا فلوس ولا أكل ومستعد أواجه الجميع».
- رجل من قـرية فى أسيوط له ٤ أبنـاء ـ يعمل مزارعا طــوال ١٠ ســنــوات فى إحــدى المــزارع وقــد بــنى حــيــاته وعـمـره عــلى هـذا الـعـمل عـنـد أحــد الـتـجـار الـذى خـسـر أمــواله فى هـــذه المــزرعــة بــســبـب عــدم وجــود الأســمــدة والكـيـمـاوى اللازم لـلـزراعة، وفـضل الـتـاجـر أن يقف لأن الـزرع مـات والخـسـارة كـبـيـرة فـفـضل الابـتـعـاد عـن هذا الـنـشـاط وتـصـفـيـة جــمـيع المـزارعـين بمـا فـيـهم صـديـقـنـا المـــزارع الــذى خــرج وذهب وبــحث عـن عــمل فى مــزارع أخرى ولم يـجد فالجميع أغلقـوا مزارعهم لأن مستلزمات الـزراعــة غـيــر مــوجـودة والــكــيـمــاويـات الــفــاسـدة ملأت الأسواق وأصبح صديقنا المزارع بلا عمل بالرغم من أنه ظل يبـحث عن عمل آخر غـير الزراعـة فلم يجـد.. فقد علم بمسـابقة جريدة «الطـريق» فكانت هى الأمل الأخير أمامه فلم يـعد يملك غير مائة وعشـرين ً جنيها وهو كل ما يملكه وذهب لــيـشـتــرى الجـريــدة من أحـد الــبـائــعـين فى قــريـته ولكـنـهـا نـفـدت، فـسـأل عن يـوم صـدورهـا وذهب فـى هذا اليـوم وبات يـوما كـاملا على رصيف مـحطـة القـطار حتى يـحـصل عـلـى الجريـدة لـلاشـتراك فـى المـسـابقـة فـأصـبح فوزه فى هـذه المسابقة هو الأمل الوحيد له للحصول على المال الذى يساعده على استكمال مسيرة الحياة.. يااااااااااه.. إيه ده... فيه إيه؟! ما الـذى جعل الصعيـد يصل لهذه الحالـة فهم يبحثون عن أى شىء يـدر عـلـيـهم ً مـالا.. فلا مـشـروعـات ولا عـمل ولا زراعة.. مـنـهم لـله فـعلا هـؤلاء الـوزراء الـتـائـهـون فأين دماؤهـم وأين شعـورهم تجـاه هـؤلاء الفـقـراء المطـحـونين.. فيـنك يا أونكل أمين؟ فبدل مـا تضيع الوقت إنت ورجالتك فى البـحث عن هدم المـشروعـات التى يعـمل بهـا مئات من الـفــقـراء ويـجـوب مـديـر أعـمــالك «دوحـة» الأرض لـيـهـاجم المـســتـثـمـرين ويـهـددهم بــسـحب الأراضى وتـدفع شـرطـة المسـطحات المائيـة التابعة لك لمـحاولة اعتقال المـستثمرين المخالفين لـرغـباتك.. انـظر إلى المـزارعين الـغلابة واجـتمع وادرس وخـطط كيف تقضى على مـشاكلهم.. يا عم اعمل لله ولو لمرة واحدة. ونرجع مرة ثانية لموضوعنا واعذرونى إذا خـرجـت عن الــنص فــهــذه الجــريــدة مــنــذ إنــشــائــهـا أصابـتنى بالهم فـقد قربتـنى من مواقع الأحداث، وأصبح لزامـا على أن أتـابع الأحداث وأشارك فـيها سـواء بالرأى أو العـمل، فـقد قـربت كثـيرا من الـفـقراء والمـطحـونين وكل يــوم أســمع قــصـصــا تـقــشــعـر لــهــا الأبـدان فــقــد قـربت وشعـرت بـالأخطـار والتـهـديدات الـتى تتـعـرض لهـا البلاد سواء مـن الصهـاينـة أو الأمريـكان أو الأوروبـيين وغـيرهم ولـكن الحــاجـة الـوحـيـدة الــتى أعـلـمـهــا ً جـيـدا هى فـسـاد الوزراء والمـسـئـولين الـكـبـار الذيـن يقـاتـلـون من أجل المال على حساب الفقراء والمظلومين.
وفى هـذه الـلــحـظـة أحب أن أعــتـرف بـشىء وهـو: أن الواحـد كـان همه الـشغـل والتـجارة والـنـجاح فى الـعمل ولم يـشـعـر بـصـعـوبـة الحيـاة عـلى الـفـقـراء والمـطـحـونين لـهـذه الـدرجـة، فـقـد جعـلـتـنى كل هـذه المـواقف والـهـموم أتــذكـر قــول عـمــر بن الخــطـاب «رضى الــله عــنه» «لـيت أمى.. لـم تـلـدنى» فـمـاذا نـقـول لـلـمـولى عـز وجل عـنـدمـا يـسـألــنـا عن هـؤلاء الـفــقـراء والمحـتـاجـين؟ عـلى الـعـمـوم تعـلمت ً كـثيرا فى وقت قـليل ونـدمت على السـنوات التى راحت غفـلة منى ولم أستـخدمها فى خـدمة بلدى وأهلى كـمـا يـجب.. أنـا نـدمـان وأرجـو أن تـسـعـنـى الحـيـاة وما تبقى لى من عمر أن أعوض غفلتى..