مدحت بركات يكتب: الراجل ده... غبي
وقد أمر الله بالحوار الهادئ العقلانى مع أشد الناس عداوة لله وهم الذين ينكرون وجود الله الخالق الرازق كما حاور الله مخلوقاته وانبياءه ومنهم نبيه إبراهيم فقال تعالى: «وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى».
اتـصل بى أحـد الأصـدقـاء المخلصين بـعـد مـقـالى فى الـعــدد الـسـابق يـطـمـئن عـلى الحـال لأنه انـزعج لمـا حـدث لأحــد مـشــروعـاتــنـا.. ولم يــصـدقه.. وقــال لى إنه اتـصل بأحـد الشـخـصيـات المهـمة لـيـسأله عن صـحة مـا حدث.. فأكـد له حقيـقة الموضوع، وقـال له إن مدحت بركات ده.. غـبـى.. إزاى يـبـقى عـنـده مـصـالـح ومـشـروعـات بـالـشـكل ده.. ويعمل جريدة ينتقد فيها الحكومة بهذه القوة؟!! فـقلت له إن هـذا الـسؤال أسـمعه كـل يوم من أكـثر من صديق ودائـماً ينصحونى بعدم تـعرض الجريدة للكبار.. ولكـن السـؤال الذى يـطـرح نفـسه هـو ما الـهـدف من هذه الجــريـدة؟. وأى دور يـريــد أن يـقـوم بـه صـاحـبــهـا؟.
ومـا الـــثــمن الـــذى يــدفـــعه صـــاحب الجــريـــدة جــزاء رغـــبــاته وأهــدافه؟ فــقــد تحـــدثــنــا من قــبـل عن أهــداف الجــريــدة ورســالـــتــهــا والــدور الـــذى نــريــد تــقــوم بـه فى المجتمع المصـرى.. ونـحن الآن ندفـع ثمن أهـدافـنا ورغـباتـنـا التى هى تـصب جـمـيـعـهـا لـنـهـضـة وطن وحـيـاة كـريمـة لشـعب وهـذه الأحــداث تــكــشف عن حــالـة غــريــبـة وخــطــيـرة فى المجتمع المـصـرى، يـجب أن نـقف عـنـدها ونـحـلـلـهـا بـدقة وهى ظـــاهــرة الـــوزراء، الـــذين يــحـــولـــون حــريـــة الــنـــقــد الـصـحــفى الــذى مـنــحه رئـيس الجــمـهــوريـة لــلـصــحـافـة والإعلام إلى حــروب اقــتــصــاديــة وشــخــصــيـة.. وتــرجع أسـبـاب هـذا الـتـحـويل فـقـد الـوزراء المـوهـبـة والخبـرة فى شـيـئــين الأول الخـبـرة الـســيـاسـيـة والـثــانى الـقـدرة عـلى الحوار فـقد تـعـودوا فى أعمـالهم الـتـجاريـة كونـهم رجال أعمـال على الأمر والطاعة أى يأمـرون موظفيهم وما على المـوظــفــين غـيــر طــاعـة الأمــر، ولـكـن إدارة أعـمــال الـبلاد تخـتلـف فلا يقـبل المواطن الـطـاعة الـعمـياء ولا من يـأمره، بل يـريــد من يــقــنــعه ولن يــأتى الإقــنــاع إلا بـالــســيــاسـة والحــوار، لــذلك فــشـل مــعــظم الــوزراء فـى الــتــعــامل مع المـواطن المصـرى.. فرجل الأعـمال تـطـغى علـيه عادته ولا يـفــكـر إلا فى مـعـادلـة الــربـحـيـة وهى «الـربح = الإيـراد ـ المصـروف» وعـلى الجمـيع فى شركـته طاعـته دون النـظر لأى شىء آخـر.. وعلى فـكرة هـذه المعـادلة تـؤدى للـنجاح المادى وهذا ليس عيباً أن يفكر رجل الأعمال فى هذا ما دام يــعــمل عــملاً شــريــفــاً ومــخــلــصــاً، فــبلادنــا تحــتـاج لـلأغنـيـاء، فـفى الحـديـث الصـحـيـح «إن اللـه يـحب الـعـبد التـقى الـغنـى الخفى» وهـنـاك خـلل فى العـقـلـية المـصـرية أولهـما القناعة بأن الغنى إنسان فاسد وهذه القناعة من أخيب الـقناعات ويسلكها الفاشـلون دائماً لتبرير فشلهم وفى حـديث آخر «المـؤمن القـوى خيـر وأحب إلى الله من المؤمـن الضعيـف»، والمال أحد عنـاصر قوة المـؤمن فنحن نــرحب بـرجل الأعـمــال الـنـاجـح الـغـنى لأنـه قـوة تـضـاف للـوطن، ولـكن العـمل الـسيـاسى له آلـيـات وقواعـد آخرى تخـتلف كل الاختلاف عن قواعد الـعمل التجارى.. فليس كل رجل أعـمال ناجـح يصلح وزيـراً.. أو يكـون سيـاسياً بالـفطرة فعلم السياسة والاحتكاك شىء مهم جداً لإدارة البلاد.. ففاقد الشىء لا يعطيه.
فـنــجـد مـعـظم الـوزراء هم رجــال أعـمـال الـدولـة الـذين انــضـمـوا إلى الحـزب الــوطـنى فـور تــولـيـهم الـوزارة ولم نسـمع لهم يوما اسـماً فى الحياة السـياسية أو الـنيابية، وعـلى رجل الأعمال الـذى يريـد كرسى الوزارة أن يـتعلم ويدرس ويـستكشف ما هى السياسـة وكيفية التعامل مع الشعب. فالتعلم ليس عيباً.
ففـقد الموهبـة والخبرة السيـاسية لدى الـوزراء يجعلهم يــتـعــامـلـون بــعـنف ويــسـيـئــون اسـتـخــدام سـلـطــاتـهم مع معـارضيهم أما السـبب الثانى هو قلب الـعمل السياسى وهـو فــقــدانــهم لمـوهــبــة هــذا الـقــلب وهــو الحــوار، وهـذا موضـوع كبـير جـداً وهو من الـقواعـد الراسـخة والـثابـتة فى الحيـاة، فقد قال تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريـحكم».. وقـد أمـر به ونادى به المـولى سـبحـانه وتـعالى واستخدمه، وتعامل به الأنبياء وأهل الكتاب.
فــقــد أمـر الــلـه بـالحــوار الــهــادئ الــعــقلانى مـع أشـد الـناس عـداوة لـله وهم الـذين يـنكـرون وجـود الـله الخالق الـرازق كـمـا حـاور الـله مـخـلـوقـاته وانـبـيـاءه ومـنـهم نـبـيه إبـراهيـم فقـال تـعـالى: «وإذ قـال إبـراهيـم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى».
علـى العموم.. موضوع الحوار مـن الموضوعات الهامة جـداً والـتى يـغـفـلـهـا كـثـيـرون، وهـو يـحل كـثـيراً جـداً من المشـاكل ولنـا معه لقـاءات كثـيرة فى الأعداد الـقادمة لأن الخلاف لا يــؤدى إلا لـلـصـدام والـصـدام يـؤخـر الـتـنـمـيـة والـتقدم.. والحوار المحمود هو الذى يحق الحق.. ويبطل الباطل.
وهـذا هو الـسـبب الثـانى الـذى يؤدى لـصـدام الوزراء مع المــواطـنـين، فـالـوزيـر الـواعى والـسـيـاسى الـذى يـريـد كسـب حب واحتـرام الـشـعب هـو الذى يـفـصل بـين عـمله كـوزيـر وبـين حـريـة الـصـحـافـة فى نـقـده فـبـدلا من قـبـوله الـنـقــد والحـوار لـلــوصـول إلى حـلــول سـلـمــيـة وصـالحـة للـجمـيع وتعـود بالـفائـده على الـوطن يحـولهـا الوزير إلى مـعـركـة تـأخـذ من وقـته وجـهـده الـذى هـو مـلك لـلـشعب.. وأحـيــانـاً تحـط من وضـعه الاجــتـمــاعى أمــام الـغــيـر ولـو كـشـفـنـا عن سـبب مـعـظم مـشـاكـل الوزراء مـع المـواطـنين تجدهـا «هايفة».. وتافهة.. فيما عدا التى ترتبط بمصالح شخصية فهذا موضوع آخر.
والجزء الـثـانى من إجـابـة سؤال الأصـدقـاء هـو كيـفـية مـواجــهـة هــذه الـنــمـاذج مـن خلال جـريــدتـنــا ونـحن لــنـا مصالح تحت رحمة هؤلاء الوزراء.
أحب أن أقول إنـنـا نضع فى عـقولـنـا وقلـوبنـا اعتـقاد ويقـيـنـاً أن أعمـالـنـا ما هى إلا لـوجه الـله.. ونـعـلم أن الله يــنــصــر من يــنــصــره وعــمــلـنــا خــالص لــلــوطن والأهل.. ومصـالحنا هى مـلك لله وحده فـقد وضعـها عنـدنا المولى وديــعــة لحـســاب الــنـاس وســيــأخـذهــا وقــتـمــا شــاء فـهل الوزراء أقوى من صاحب الوديعة.. ألم يبحث الوزير عن مـكــان كل زعـمـاء الـدنــيـا والـوزراء الـسـابــقـين من عـصـر سيدنا آدم حتى الآن.
وأقـول لمن يـسـاعـدوا هـؤلاء: تـذكـروا الـله فى أعـمـالـكم وقراراتـكم واعلـموا أنـنا نـبحث ونجـاهد من أجـلكم لأنكم من نــسـيج الـشـعب المــصـرى وأن أهـدافـنــا وطـنـيـة.. ولـو كانت أهـدافـنا لمـصالح مـالـية أو شـخصـيـة لما كـانت هذه اتجـاهـاتـنـا فى مـهـاجــمـة الـفـسـاد.. فـمن يـريـد مـصـلـحـة شخـصية لا يهاجم مسئولاً أو وزيراً فاسداً بل يفتح باب جــريـــدته عــلى مــصــراعــيه مـــدافــعــاً عــنــهم وعن أدائــهم وفسـادهم.. ولـكن نـحن نـقف مع المـدافـعـين عن مـصـلـحة هذا البلد وشعبه.
تذكـر أن بلدك مـهدد من التـتار الجدد وهم الـيهود على شكل الأمـريكان، وتذكر أنه لم تتبق قوة عربية تحافظ على العـروبـة والإسلام غـيرنـا نـحن فـقد دمـروا الـقـوى العـربـية وسـلـمت الأخـرى نـفـسـهـا لـهم.. تـذكـر أنـهـم قـادمـون.. لذا وجب علـينا الاسـتعداد والـصحوة من هـذا النوم والـسبات العميق وأن نتفوق عليها فى مجالات الحياة.
فـأنـا لـست غــبـيـاً ولـكن أريـد أن أكـون مـخـلـصـاً لـوطـنى وأهــــلى وديــــنـى وأريــــد أن أقــــوم بــــدورى الاقــــتــــصـــادى والسـياسى معاً لاعـتقادى أنهـما السـبب الرئيسى لـنهضة ورقى المجتمع.. فلا نـخـاف ونـتــوكل عـلى الـله فـإن الـله لا يضـيع أجر من أحسن عـملاً والحرب ضد الفـساد تحتاج إلى جنود ورجال هدفهم الثواب والفوز فى دار الحصاد. بالذمة يا ناس.. هو أنا كده أبقى غبى!!.