مدحت بركات يكتب: مشاهد لن أنساها
اتصل بي صديقي وقال لي: ملفاتك بتتحرق فى أمن الدولة يا حلو ومش هتعرف تقاضى حد... فقلت له: يا عم الكلام ده في إسكندرية.. فقال لا هنا في أكتوبر.. ويقول الناس إن الضباط يحرقون الملفات بداخله.. فعلى الفور ارتديت البنطلون الجينز.. وضربت الكوتش والتي شيرت.. وطرت على المكان وعرف أصدقائي وانضموا إلى وتظاهرنا واستطعنا أخماد النيران ووجدنا مستندات.. توضح أننا كنا نعيش في أسر عصابة كالاخطبوط تتحكم في الشعب كما تشاء.. حتى جلود الأضاحي لها ملفات !! من الذي ذبح وأين ذهب بلحم الأضحية وجلودها !! تواجدنا من العاشرة صباحا حتى الثانية صباحا.. وأثناء هذه الفترة مرت مشاهد كثيرة جدا.. ولضيق مساحة المقال، اسمح لي أن احكى لك بعض المشاهد التي لن انساها مادمت حيا.. ولكن قبل عرضها عليك.. ساجبب لك عن أسئلتك التي تجول بخاطرك وهي: لماذا ذهبت لهذا المكان خصيصا؟ ولماذا يساوى ذلك اليوم عمرك؟ والإجابة باختصار: إن ضباط هذا المبنى، استدعونى كثيرا.. وحققوا معى فيما تكتبه الجريدة ضد النظام السابق.. وكثيرا ما طلبوا مني إقالة رئيس التخرير وبعض الصحفيين.. والتوقف عن كتابة الموضوعات التي تدين النظام وتهاجم رموزه وكانوا يتعاملون معى بتكبر وغرور واستعلاء.. كأنهم نوع خاص من البشر يمتلك السيادة والقوة.. ونحن العبيد الذي نسمع وتنفذ وليس من حقنا الاعتراض.. وكانت طريقتهم تصل إلى درجة الإهانة.. وذلك اعتماداً على سلطته الدنيوية وحماية النظام الفاسد لهم.. وكانت ردودى الدائمة على طلباتهم تحمل كلمة «لا ... وأننا نعيش حياة واحدة، فيجب أن تكون من أجل أرضاء الله والوطن والناس.. لا من أجل ارضاء حاكم أو سلطان .. فلست طالبا لمال ولا سلطة ولا كرسي.. فعملنا لوجه الله الكريم.. وردا لجميل الوطن والشعب علينا والذي لولاه ما كان لنا وجود في هذه الحياة.. فهددوني بتلفيق القضايا والتهم إذا لم امتثل لطلباتهم.. ولكن لم أهتم وجعلت الله وكيلي.. ونفذت ما أراه صادقا .. فلفقوا لي التهم وشهروا بي.. وهدموا مشروعاتنا .. واخترعوا قضايا ليس لها وجود.. وعندما برأني القاضي منها.. اعتقلوني لحين اختراع قضية أخرى وأصبحت أسيرا لديهم... ولم يؤثر فيهم محام صغير أو كبير.. فكله يا فندم تحت السيطرة ... ومش مهم أن يفرج عنك قاض محترم.. لأن قرارات الاعتقال جاهزة.
* على العموم لن أخوض في الماضي كثيرا.. لأنني أريد أن أصف لك بعض المشاهد التي جعلت هذا اليوم بعمرى كله.
* فأول مشهد رأيت فيه مفتش المباحث الذى قبض على ولفق لى المحاضر يحاصره المظلومون ويريدون الفتك به.. ويحميه بعض الأشخاص من اللجان الشعبية حتى التقطته القوات المسلحة ووضعته فى الدبابة من الداخل.
* وأحلى الألحان سمعتها من الثوار ومن هذا الضابط.. فيجيء أحد المظلومين ويسأله: لماذا لفقت لي محضرا.. فيرد الضابط بكلمة «أنا آسف ... ويقول الآخر له: لماذا اعتقلتني؟ يقول: «أنا آسف ... ويقول آخر: لماذا عذبتني؟ يقول «أنا آسف ... فأردت أن أقول له وأنا أقف بجواره: لماذا خالفت ضميرك ولفقت لى محضرا؟ لكن تراجعت وتجمدت فلم أقدر أن أسمع منه كلمة (آسف، فهو ضعيف ومحاصر من الثوار.. ويرتعد ويرتعش خوفا والايادى تضرب من بعيد تريد أن تناله وتفتك به.. وأنا قريبا جدا منه.. ولكن علي الرغم من أنه كان سببا رئيسيا فى ظلمي وعذابى لسنوات.. ارتضيت فقط بتصويره في هذا الموقف ودافعت مع اللجنة الشعبية عنه حتى ركب الدبابة.. وسمعت منه كلمة شكرا، وذهبت دون أن يعرفني ولم أفصح له عن شخصيتي.
* والمشهد الثاني عندما استطعنا دخول مبنى مكاتب الضباط وتجولنا فيه.. والتقطنا صورا لبعضها ومحتوياتها.. وشاهدنا بدل رقص في أحد المكاتب.. وفضولى جعلنى أبحث عن نوعية هذه المكاتب فعلمت أنه مكتب المدير المسئول عن النشاط الديني وبحثت عن المكاتب التي تم التحقيق معى فيها ووصلت لمكتب «ع.اً، وجلست مكانه لدقائق.. طبعا ستقولون لماذا لم اكتب اسمه؟ أقول لكم إن الأصيل ضعيف عندما يرى المتكبر المغرور الظالم، وقد أذله الله وأهانه، ولكن سأبعث له رسالة لعلها تصل إليه: هل صدقت كلام الله عندما قال ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون... أم ليس بعد؟
*المشهد الثالث عندما خرج ضباط أمن الدولة من المبنى مقيدين الإيدى بالأحبال طبقا لطلب الثوار لتنفيذ قرار النيابة بحبسهم ١٥ يوما وهم في حماية ضباط الجيش وايادى الثوار تضربهم من كل جانب.. ولكن كل الضربات طالت ضباط الجيش وهم يحيطون بهم ليدخلوهم في الدبابة ويرقص الثوار المظلون فرحا وسعادة ويهتفون بأناشيد النصر والعبارات والتواشيح الدينية، وما ذكرته في مشاهد قليلة جدا مما حدث يوم يساوى عمرى كله.
بكل يقين وصدق وإخلاص من القلب أتقدم بالشكر الجزيل للذي وعدنى ونفذ وعده.. وآرانى كيف نفذه.. فهو الذي قال في حديثه القدسي للمظلوم: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين... شكرا لله.. القادر.. المسيطر.. المدبر.. المعز.. المذل.. واختم مقالي بأصدق شعار ردده الثوار المنتصرون.
الله وحده.. أسقط النظام
الله وحده.. أسقط أمن الدولة
واللهم لا شماتة.