مدحت بركات يكتب: حكاية جيش وشعب
مثلما تفردت مصر عبر كل عصر وكل أوان بحضارتها وصبرها وحبها ودفئها وطيبة شعبها، تفردت أيضا بجيشها وقواتها المسلحة.
من السهل جدا أن تقرأ هذا المقال وتقول لى إنني أنافق الجيش، لكنى ولله الحمد لا علاقة لى به لا من قريب ولا من بعيد لأنني أقول كلمتى لوجه الله أولا ثم لوجه هذا الوطن الذى أهيم عشقا وحبا فيه، والذي بسببه اعتقلنى النظام السابق سنوات عديدة ولم ينقذني من يديه إلا الثورة.
ودعونا نرجع للوراء ثلاثة أشهر فقط وقت يوم جمعة الغضب نخرج كل ما في جوفنا من كراهية ضد نظام مبارك الفاسد، وكنا وقتها لا نرى من المستقبل أى بارقة أمل، فقط نريد أن نعلن عن غضبة لا نعلم إلى أين تذهب ولا إلى أى نتيجة ستئول كان الجميع يتذكر ما حل بهذا البلد من خراب ودمار وسرقة ونهب وإفساد مع سبق الإصرار والترصد ونحن نصرخ: "الشعب يريد إسقاط النظام" الشعب يريد الحرية، الشعب يريد تنمية وتعميراً لهذا البلد الذي أوشك على الانهيار.
وأكاد أقسم بأن أحدا منا لا يعلم كيف نسقط النظام ولا كيف نجلب نسمات الحرية ولا كيف نبنى ونعمر ونشرع في غرس شجرة التقدم على أرض مصر، فقط هتافات وصدور عارية أمام جحافل من قوات الأمن المدججة بالسلاح.
صحيح أن هذه القوات انهارت وضاعت وتشرذمت بين إصرارنا وحبنا وعشقنا لمصر ورغبتنا في التصحية بأرواحنا من أجل أن نستنشق نسمات الحرية بعيدا عن مبارك وزمرته الفاسدة، لكننا لم نكن نملك مقومات البناء أو الحكم أو تقلد زمام الأمور.
لكن فجاة ومن بين ليل حالك السواد نقف فيه عرايا من أى غطاء، يحيط بنا برد قارس وجوع وإرهاق، كانت مدرعات الجيش تلتف حولنا وأيادى أبنائها البواسل تمتد بأغطية الأمان تحمينا وتشد على أيادينا وتضخ في قلوبنا دماء جديدة بعد أن رفعت شمس الأمل من جديد عقب معركة شديدة القسوة سقط منا فيها ۸۰۰ شهيد وآلاف الجرحى والمصابين، خرج البيان الأول من القوات المسلحة بأنه في حالة انعقاد مستمر لمتابعة المطالب المشروعة للشعب، كانت هذه المطالب تتلخص فى رحيل النظام.. إسقاط النظام.. محاكمة النظام.
وبالفعل رحل النظام فانكشفنا.. سقط النظام فارتبكنا.. فأمسكت القوات المسلحة الباسلة زمام الامور وتولت عنا إدارة شئون البلاد وبدأت فى التخطيط المرحلة انتقالية أسمتها خارطة طريق، ثم هي الآن تقيم أكبر محاكمة في التاريخ لأكبر نظام فاسد.
هذه المؤسسة الوطنية الخالصة لا تحتاج منى أن أكتب عنها ولن يزيد من قدرها كلمة أو جملة أو مقال، لكني أكتب فقط ما أشعر به تجاه من حموا مستقبل أولادى، وحررونى من أيدى عصابة الجبابرة واناروا الطريق المظلم الموحش بطاقة من الوطنية الخالصة التي لا تبغى سوى وجه الله والوطن.