الأحد 8 سبتمبر 2024 مـ 07:57 صـ 4 ربيع أول 1446 هـ
موقع الصفوة
وزير الإسكان يتفقد أعمال المرافق والطرق بتوسعات مدينة الشيخ زايد والحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر خلال جولته بالإسكندرية وزير قطاع الأعمال العام يتفقد معهدي إيجوث للسياحة والفنادق رئيس الوزراء يُغادر مطار بكين الدولي عائدًا إلى القاهرة وزير الثقافة يتفقد عددًا من المواقع الثقافية بمدينة 15 مايو.. «صور» رئيس الوزراء يلتقي رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.. «صور» الصحة: الدفع بـ10 سيارات إسعاف إلى موقع انهيار عقار بمنطقة أرض الجولف في القاهرة وزير الأوقاف يستقبل عددًا من النواب لتلبية مطلب أهالي دوائرهم.. «صور» وزير الأوقاف يستقبل سفير إندونيسيا بالقاهرة وزير الثقافة يفتتح الدورة الحادية والثلاثين لمهرجان القاهرة الدُولي للمسرح التجريبي رئيس الوزراء يستعرض مع رئيس هيئة الدواء تقريرًا عن توافر الأدوية في السوق اهتمام هندي بالاستثمار في صناعات الأسمدة والهيدروجين الأخضر والأغذية بمصر وزير الإسكان يلتقي رؤساء جمعيات المستثمرين لدراسة مشاكل المستثمرين بالمدن الجديدة

كتب الله لأغلبن أنا ورسلي

قصة كفاح مدحت بركات ضد الفساد

من هو مدحت بركات؟


- من هو مدحت بركات؟ هو مدحت حسانين بركات الذي يتشرف بانتمائه لواحد من أعرق أحياء القاهرة وأكثرها شعبية وجدعنة.. حي الخليفة.


- هناك ولد.. وهناك بدأ حياته.. وهناك قرر أن يسخر جهده وماله وفكره الخدمة أهل الخليفة.


- تخرج مدحت بركات في كلية الهندسة.. بعد أن أمضى بها سنوات الدراسة الخمس بكل زهوتها ونشاطها وعلمها.


- قبل أن تعلق نتيجة البكالوريوس وتعلن تخرجه... كان بركات قد التحق بالعمل في شركات والده التي تخصصت في قطاع المقاولات والبناء والتشييد.


- بعد سنوات توسعت الشركات.. وتضاعفت الأعمال ولم تحل محافظة في مصر بطولها وعرضها من مشاريع شركاته حتى بلغ عدد العاملين في مجموعة الشركات ما يزيد على ألف مهندس وفني وعامل.


- طيلة هذه السنوات كان بركات يفكر كيف يبني مؤسسة اجتماعية تبني وتعمر في نفوس الناس مثلما تبني وتعمر شركاته، حتى جاءت اللحظة المناسبة التي انشأ فيها مؤسسة بركات الخيرية التي توسعت فيما بعد لتصبح مؤسسة بناء إحدى أكبر المؤسسات الاجتماعية في القاهرة.

- ولأن العمل السياسي لم يفارق تفكيره.. قرر بركات أن يخوض أولى تجاربه السياسية بجريدة "الطريق"، إحدى أهم الصحف المصرية والتي ساعدت في فترة من احلك الفترات التي مرت على مصر في أن ترفع سقف الحريات إلى أقصى حد، وأن تبني جسورا للحرية والرأي لم تشهدها من قبل الحياة السياسية والصحفية في مصر.


- لكن كان على أحد أن يدفع ثمن الجرأة.. فكان الاضطهاد مصير بركات ليس في جريدته فقط، بل في كل أعماله ومشاريعه، حيث شن النظام السابق أعنف صور الظلم والقهر والطفیان شده، فلفقوا له الاتهامات.. وكالوا له اللهم جزافا فنالوا من حريته وحبسوا جسده... لكن روحه ظللت متعلقة بالأمل.

- وفى يوم ٢٩ يناير وبعد الثورة العظيمة بساعات ثم إخلاء سبيله... لتعود روحه إلى جسده مرة أخرى ويكمل مشوار الحرية الذي نذر لها حياته وفكره وجهده.


- وما إن لمس نسائم الحرية حتى انضم إلى ثوار التحرير ودعمهم ووقف إلى جوارهم حتى سقط الطاغية مبارك.

هذا هو مدحت بركات.


المهندس مدحت بركات واحد من أهم صناع الصحف في مصر، وفي الوقت نفسه واحد من انجح المهندسين المصريين أشرف على تنفيذ عشرات المشروعات الاستصلاحية في مصر.


على أنه بالإضافة إلى نبوغه المهني، يتمتع باحساس عميق بالواجب العام، فهو يؤمن بأن المعرفة ترتب مسئولية نحو الإنسانية، ويكرر دائما أنه تعلم في جامعة الإسكندرية عندما كانت منارة للعلم والحب والعطاء، فتلقف ما تعلمه وكرس علمه المساعدة أهل بلده بقدر الإمكان.

أحس مدحت بركات بضرورة أن يفعل شيئا غير تقليدي لا يكفي أن يبني المهندس عمارة أو يشيد جسرا، لكن لو استصلح أرضا فأنه سيخلق مجتمعا جديدا، وسيوفر طعاما لمحتاج وغطاء لمشرد وكسوة ليتيم، وطريقا لتائه وشربة لعطشان.

تحمس بركات لفكرة زرع الصحراء وتركك مكتبه الخاص المكيف في القاهرة وسافر إلى صحراء مصر ليضع يده بيد العامل الذي يحفر والمزارع الذي يغرس والحفار الذي يشق طريقا نحو الأعماق ليفجر ينابيع المياه الظاهرة التي ستروي الأرض وتغسل الملح من جسد الأرض الطيبة العطشى.


في زمن قياسي استطاع بصبره وتواضعه وحبه للعمل جنبا إلى جنب بقية فريقه المكافح أن يمسح اللون الأصفر الواسع شيئا فشيئا، وبدأ المنار سريعا على الطريق الصحراوي يندهش كيف خرجت هذه النبتة الخضراء من وسط رمال الصحراء.


خلف هذه النبتة الخضراء التي تسر الناظرين ولدهش العابرين، وتخطب لباب الحالمين، كان مدحت بركات يرتدي البنطلون الجينز والتي شيرت الأبيض يطمئن على الورقة الخضراء فوق كل شجرة يهبط على ركبته وبعد بده ينحس الأرض التي ارتوت فتمد الجذور بالحياة.


لم يكن أحد يلحظ مدحت بركات لم يكونوا بيرون وجهه الأسمر لم يعتقدوا أن مهندسا مجاهدا متفوقا هو الذي فعل كل هذا بعد عشرات اللدغات من الثعابين الصحراء، بعد عضات الذئاب التي كانت تحاول نهش لحمه وهو يحرس شجرته التي غرسها بيده.


استمر العمل قائما على قدم وساق رغم أن كل شيء لم يكن يبشر بالنجاح، لا ماء ولا كهرباء ولا طرق ولا خدمات لكن مداد الصير الذي گان يهطل مع المطر من عند الله كان دافعه، كان يملأ مخزون الطاقة في قلب بركات كل يوم، رغم أعمال النظام السابق لمن يزرع، ورغم نهش الفساد في لحم كل من يحاول أن يبني ويعمر وينمي.


هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ نعم كان بركات يشعر بأن الله معه بأن الله حارسه، بأن الله يمده بالقوة والعزيمة ليعمر الأرض فخرجت المياه من باطن الصحراء بعد أن بللت رمالها بدماء يديه التى كانت تنزف من شدة الحفر، نبت الزرع الأخضر بعد أن ارتوى من عرق جبينه الذي سال ليل نهار.


لكن هل انعكس اندهاش المارين بالطريق على مدحت بركات؟ هل كرمته الدولة لأنه عمر وزرع ونمى؟ هل منحه الرئيس وسام الجمهورية من الدرجة الأولى لأنه آمن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها».


لا .. طبعا تحول مدحت بركات إلى العدو الأول لوزير الزراعة السابق الذي استدعى بعض موظفيه ليكتبوا تقارير تؤكد أن المزارع التي شيدها والأشجار التي غرسها والثمار التي انتجها هي تعد على أملاك الدولة، فقررت الدولة أن تزيل الأشجار وتهدم المزارع وتقصف العاملين بوابل من الرصاص.


السؤال هنا: لماذا انقلب النظام البائد على مدحت بركات وحاربه بضراوة بعد أن فعل ما كان ينادي به الرئيس المخلوع في خطبه ليل نهار، وينفذ تصريحات وزير الزراعة التي يلقيها في كل صباح ومساء.. الأسباب تتلخص فيما يلى:


أولا: إن الأرض التي حولها مدحت بركات إلى مزارع وجنات بثمن زهيد احرجت الدولة بكل إمكانياتها، أصابت النظام في مقتل، كيف استطاع هذا الشاب البسيط أن يضعنا في هذا الموقف المحرج؟! كانت كل الخطب والتصريحات للاستهلاك المحلي فقط، لكن المراد كان شيئا آخر، الهدف كان شيئا آخر، هو تحويل هذه الأرض إلى منتجعات سياحية يسكنها علية القوم لا عامة الناس الأغنياء وطبقة الأثرياء وليس المزارعين والفلاحين والمجتهدين والشباب.


ثانيا: ما فعله بركات ضيع على الفاسدين أرباحا بالمليارات، ومن سيأخذ أرباحا بالمليارات كان سيدفع رشاوى بالملايين، وبالتالي كان مدحت بركات يقف حائلا أمام بحر المال الحرام الذي كانوا سينعمون به.


مدحت بركات لم يكن يعلم ما يحاك له في ليل، لكن طموحه وتفكيره وعقله لم يتوقف عن الجديد، ففكر في أن يعمر العقول كما عمر الصحراء الجرداء، فقرر أن يبني صحيفة كما بنى مزارع وغرس أشجرا وثمارا، كان هدفه أن تعلو كلمة الحق فوق الزيف والضلال أن تسود الاخلاقيات الحميدة بدلا من الكذب والإسفاف أن ترتفع رايات الحرية تواجه الفساد بلا خوف أو تردد.


لكن بركات ادرك أخيرا أن محاربة الأفاعي والذئاب وقاطعي الطريق اهون ألف مرة، أدرك أخيرا أن العيش في الصحراء لأسابيع بماء قليل وطعام زهيد أهون ألف مرة من مواجهة جيوش الفاسدين بكلمة حرة صادقة أمينة.


اجتمعت جيوش الفساد مع دعاة الضلال مع أباطرة النهب المنظم على ان يتم القضاء عليه فورا، فمن الممكن أن يصبروا على ضياع مليار او اثنين، لكنهم لن يصبروا على كلمات الحرية التي اطلق لصحفيي الطريق لها العنان وساندهم وشد على أياديهم ليقولوها.


إن حكاية مدحت بركات بقدر ما هي محبطة إلا أنها مفيدة، ونحن في صحيفة الطريق نهديها إلى كل من لا يزال يعتقد أنه بالإمكان إحداث النهضة في بلادنا بعيدا عن الإصلاح السياسي... لا يزال بعض الناس الطيبين يتصورون أنه لو اجتهد كل مصري في عمله فإن مصر ستتقدم بدون الحاجة إلى تغيير ديمقراطي.. هذا التصور حسن النية لكنه مفرط في السذاجة.. والحق أن الاستبداد، مثل مرض السرطان، يبدأ في السلطة السياسية ثم ينتشر بسرعة في كل أجهزة الدولة فيصيبها بالعطب والعجز.


السكوت على الظلم يولد الاستبداد، والانصياع للاستبداد يؤدي حتما إلى الفساد، والرضى بالفساد سيترتب عليه انهيار الدولة والنظام، فما إن ظهرت "الطريق"، بثوبها الحر الجديد حتى خرجت عصابات الشيطان من كل مكان في أرجاء النظام الفاسد، مستعدة للقتال بضراوة وتحطيم أي شخص أو فكرة أو مشروع للحفاظ على مكاسبها.


لماذا فعل بركات هذا؟ لماذا لم يحن ظهره كما فعل الكثيرون ويستفيد هو أيضا بمليارات حرام؟
لأنه يدرك جيدا أن نظام الاستبداد يقدم الولاء على الكفاءة وبالتالي فهو يمنح المناصب إلى اتباعه المخلصين الذين لا يصلحون غالبا من الناحية الموضوعية لتولى المسئولية الأمر الذي يجعلهم يتوجسون خيفة من ظهور آية كفاءة حقيقية قد تنتزع منهم المنصب.. وهكذا يتحول نظام الاستبداد إلى ماكينة رهيبة تستبعد بانتظام النوابغ والموهوبين وتحاربهم وتضطهدهم وفي نفس الوقت تجتذب الفاشلين وعديمي الكفاءة ماداموا يطيلون ويزمرون للرئيس ويتفنون بعبقريته وإنجازاته العظيمة.. كل هذا يؤدي في النهاية إلى تدهور أداء الدولة في كل المجالات حتى تصل البلاد إلى الحضيض كما حدث في مصر.


إن ما حدث للمهندس مدحت بركات هو بالضبط ما حدث من قبل مع كل المصريين النابغين الذين حاولوا أن يفعلوا شيئا لمساعدة بلادهم.


لكن الله ينصر من ينصره ويثبت على الحق من يقدره ويخافه، وهذا ما حدث مع مدحت بركات فقد أتم الله بالثورة على مصر ليشعر أمثال مدحت بركات ان من كان يخاف الله بالغيب فان الله سينصره بالعلن ولكن بعد حين، وقد جاء الحين ونصر الله مدحت بركات كما نصر مصر على الفاسدين.


صحيح أن هناك فلولا للنظام تريد أن تقضى عليه تريد أن تمحو أثره من على وجه الأرض تريد أن تقتله لتشفي غليلها من مناصرة للثورة قبل أن تولد، ومناصرة للحرية قبل تهبط على أرض مصر، لكن بركات يعلم أن من نصره في وجه الطاغوت لن يتخلى عنه الآن.

صحفيو «الطريق»